فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}.
أخرج الطيالسي وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمرود بن كنعان. وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة والربيع والسدي. مثله.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم، أن أول جبار كان في الأرض نمرود، وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار، فإذا مر به ناس قال: من ربكم؟ قالوا له: أنت. حتى مر به إبراهيم فقال: من ربك: قال: الذي يحيي ويميت. قال: أنا أحيي وأميت. قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت الذي كفر فرده بغير طعام، فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب من رمل أعفر فقال: ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم؟ فأخذ منه فأتى أهله، فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو بأجود طعام رآه أحد، فصنعت له منه فقربته إليه، وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام فقال: من أين هذا؟! قالت من الطعام الذي جئت به. فعرف أن الله رزقه فحمد الله.
ثم بعث الله إلى الجبار ملكًا أن آمن بي وأنا أتركك على ملكك، فهل رب غيري؟ فأبى، فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك: فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام، فجمع الجبار جموعه، فأمر الله الملك ففتح عليه بابًا من البعوض، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها، فبعثها الله عليهم فأكلت شحومهم وشربت دماءهم، فلم يبق إلا العظام، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه، وكان جبارًا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه، ثم أماته الله وهو الذي كان بنى صرحًا إلى السماء، فأتى الله بنيانه من القواعد.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم} قال: نمرود بن كنعان، يزعمون أنه أول من ملك في الأرض، أتى برجلين قتل أحدهما وترك الآخر. فقال: أنا أحيي وأميت. قال: استحيي: أترك من شئت، وأميت: أقتل من شئت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أنه ملك يقال له نمرود بن كنعان، وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل، ذكر لنا أنه دعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر، فقال: أنا استحيي من شئت وأقتل من شئت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {قال أنا أحيي وأميت} قال: أقتل من شئت، واستحيي من شئت، أدعه حيًا فلا أقتله، وقال: ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه، فكلمه وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت. قال نمرود: أنا أحيي وأميت، أنا أدخل أربعة نفر بيتًا فلا يطعمون ولا يسقون حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا وتركت اثنين فماتا، فعرف إبراهيم أنه يفعل ذلك قال له: فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر وقال: إن هذا إنسان مجنون فأخرجوه، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها، وإن النار لم تأكله، وخشي أن يفتضح في قومه.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي {والله لا يهدي القوم الظالمين} قال: إلى الإِيمان. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أَنْ آتَاهُ الله} فيه وجهان:
أظهرهما: أَنَّهُ مفعولٌ من أجله على حذفِ العِلّة، أي: لأَنْ آتاه، فحينئذٍ في محلِّ أَنْ الوجهان المشهوران، أعني النَّصب، أو الجرِّ، ولابد من تقديرِ حرفِ الجرِّ قبل أَنْ؛ لأَنَّ المفعول مِنْ أجلهِ هنا نَقَّص شرطًا، وهو عدمُ اتِّحادِ الفاعلِ، وإنما حُذفت اللامُ، لأَنَّ حرف الجرِّ يطَّرد حذفُهُ معها، ومع أنَّ، كما تقدَّم.
وفي كونِهِ مفعولًا من أجلِهِ وجهان:
أحدهما: أَنَّهُ من باب العكسِ في الكلام بمعنى: أنه وضعَ المُحاجَّة موضع الشُّكْر، إذ كان مِنْ حقِّه أن يشكرَ في مقابلة إتيانِ المُلْكِ، ولكنَّهُ عَمِلَ على عكس القضية، كقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]، وتقول: عَادَاني فُلانٌ؛ لأني أَحسنت إليه وهو باب بليغٌ.
والثاني: أَنَّ إيتاءَ المُلْكِ حَمَلَه على ذلك؛ لأَنَّهُ أورثه الكِبْرَ وَالبَطَرَ، فَنَشَأَ عنهما المُحاجَّةُ.
الوجه الثاني: أنَّ أَنْ، وما في حيِّزها واقعةٌ موقعَ ظرفِ الزَّمانِ، قال الزَّمخشريُّ رحمه الله وَيَجُوزُ أن يكونَ التَّقديرُ: حاجَّ وقتَ أَنْ آتاهُ اللهُ. وهذا الذي أجازه الزمخشريُّ فيه نظر؛ لأَنَّهُ إِنْ عنى أَنَّ ذلكَ على حذفِ مُضافٍ ففيه بُعْدٌ من جهةِ أَنَّ المحاجَّة لم تقع وقتَ إِيتاءِ اللهِ له المُلْك، إِلاَّ أَنْ يُتَجَوَّز في الوقتِ، فلا يُحْمَل على الظَّاهر، وهو أنَّ المُحاجَّة وَقَعَت ابتداء إيتاءِ المُلْك، بل يُحْمَلُ على أنَّ المُحاجَّة وقعت وقتَ وجود المُلْك، وإن عنى أَنَّ أَنْ وما حيِّزها واقعةٌ موقع الظَّرف، فقد نصَّ النَّحويون على منع ذلك وقالوا: لا يَنُوب عن الظَّرف الزَّماني إلا المصدرُ الصَّريحُ، نحو: أَتيتُكَ صِيَاحَ الدِّيكِ ولو قلت: أَنْ يصيحَ الدِّيكُ لم يَجز. كذا قاله أبو حيَّان قال شهاب الدين وفيه نظرٌ، لأنه قال: لا ينوبٌ عن الظَّرفِ إلا المصدرُ الصّريح، وهذا معارضٌ بأنهم نَصُّوا على أنَّ ما المصدريةَ تنوبُ عن الزَّمانِ، وليست بمصدرٍ صريحٍ.
والضمير في آتاه فيه وجهان:
أظهرهما: أَنْ يعودَ على الَّذِي، وهو قول جمهور المفسرين وأَجاز المهدويُّ أن يعودَ على إِبْرَاهِيم، أي: ملك النُّبُوَّة. قال ابن عطيَّة: هذا تَحاملٌ من التَّأْوِيل، وقال أبو حيان: هذا قولُ المعتزلة، قالوا: لأنَّ الله تعالى قال: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} [البقرة: 124] والمُلْك عهدٌ، ولقوله تبارك وتعالى: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الكتاب والحكمة وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]. وعودُ الضَّمير إِلى أقرب مذكور واجب، وأقرب مذكورٍ إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأجيب عن الأَوَّل بأَنَّ الملك حصل لآل إبراهيم، وليس فيها دلالةٌ على حصوله لإبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وعن الثاني: بأن الذي حاج إبراهيم كان هو المَلِكُ، فعود الضَّمير إليه أَوْلَى.
قوله: إِذْ قَالَ فيه أربعةُ أوجهٍ:
أظهرها: أَنَّهُ معمولٌ لحاجَّ.
والثاني: أن يكون معمولًا لآتاه، ذكرهُ أبو البقاء. وفيه نظرٌ من حيثُ إنَّ وقت إيتاءِ المُلْكِ ليس وقتَ قولِ إبراهيم، {رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ}، إِلاَّ أَنْ يُتَجَوَّز في الظَّرفِ كما تقدَّم.
والثالث: أن يكون بدلًا من {أَنْ آتَاهُ الله الملك} إذا جُعِلَ بمعنى الوقت، أجازه الزَّمخشريّ بناءً منه على أَنَّ أَنْ واقعةٌ موقعَ الظَّرف، وقد تقدَّم ضعفُهُ، وأيضًا فإِنَّ الظّرفين مختلفان، كما تقدَّم إلا بالتَّجوز المذكورِ.
وقال أبو البقاء رحمه الله وَذَكَرَ بَعْضُهم أنه بَدَلٌ من {أَنْ آتَاهُ الملك} وليس بشيءٍ؛ لأَنَّ الظرفَ غيرُ المصدرِ، فلو كان بدلًا لكان غلطًا إلا أَنْ تُجْعَل إذ بمعنى أَنْ المصدرية، وقد جاء ذلك انتهى. وهذا بناءً منه على أنَّ أَنْ مفعولٌ من أجله، وليست واقعةً موقع الظَّرفِ، أمَّا إِذَا كانت أَنْ واقعةٌ موقع الظرف فلا تكون بدل غلط، بل بدلُ كلِّ من كُلِّ، كما هو قول الزمخشري وفيه ما تقدَّم بجوابه، مع أَنَّه يجوزُ أَنْ تكون بدلًا مِنْ {أَنْ آتاهُ}، و{أَنْ آتَاهُ} مصدرٌ مفعولٌ من أجلِهِ بدلَ اشتمالٍ؛ لأَنَّ وقتَ القولِ لاتِّسَاعِهِ مُشتملٌ عليه وعلى غيره.
الرابع: أَنَّ العامِلَ فيه تَرَ منق وله: {أَلَمْ تَرَ} ذكره مكيٌّ رحمه الله تعالى، وهذا ليس بشيءٍ؛ لأَنَّ الرُّؤية على كِلاَ المذكورين في نظيرها لم تكن في وقتِ قوله: {رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ}.
قوله: {الذي يُحْيِي} مبتدأٌ في محلِّ نصب بالقول.
{قَالَ أَنَا أُحْيِي} مبتدأٌ، وخبرٌ منصوب المحلِّ بالقول أيضًا. وأخبر عن أَنَا بالجملة الفعلية، وعن رَبّي بالموصولِ بها؛ لأَنَّه في الإِخبار بالموصولِ يُفيد الاختصاص بالمُخبَرِ عنه بخلافِ الثاني، فإِنَّهُ لم يدَّعِ لنفسه الخسيسة الخصوصية بذلك.
وأَنَا: ضميرٌ مرفوعٌ مُنفصلٌ، والاسمُ منه أَن والألفُ زائدةٌ؛ لبيان الحركةِ في الوقفِ، ولذلك حُذِفت وصلًا، ومن العربِ مَنْ يثبتها مطلقًا، فقيل: أُجريَ الوصلُ مجرى الوقف؛ قال القائل في ذلك: المتقارب:
وَكَيْفَ أَنَا وَانْتِحَالي القَوَا ** فِي بَعْدَ المَشِيبِ كَفَى ذَاكَ عَارا

وقال آخر: الوافر:
أَنَا سَيْفُ فَاعْرِفُونِي ** حُمَيْدًا قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَاما

والصحيح أنه فيه لغتان، إحداهما: لغةُ تميم، وهي إثباتُ ألفه وصلًا ووقفًا، وعليها تُحْمَلُ قراءةُ نافع فإِنَّه قرأ بثبوت الألف وصلًا قبل همزةٍ مضمومة نحو: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}، أو مفتوحةٍ نحو: {وَأَنَاْ أَوَّلُ} [الأعراف: 143]، واختلف عنه في المكسروة نحو: {إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ} [الشعراء: 115]، وقرأ ابن عامرٍ: {لَّكِنَّا هُوَ الله رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 38] على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وهذا أحسنُ من توجيه مَنْ يَقُولُ أُجْري الوصلُ مجرى الوَقْفِ. واللُّغة الثانية: إثباتُها وَقْفًا وحَذفُها وَصْلًا، ولا يجوزُ إثباتُها وصلًا إِلاَّ ضرورةً كالبيتين المتقدِّمين. وقيل: بل أَنَا كلُّه ضمير.
وفيه لغاتٌ: أَنا وأَنْ-كلفظ أَنِ النَّاصبةِ- وآن؛ وكأنه قَدَّم الألف على النون، فصار أانَ، قيل: إنَّ المراد به الزَّمان، وقالوا: أَنَهْ، وهي هاءُ السَّكْتِ، لا بدلٌ من الألف؛ قال: هكذا فَرْدِي أَنَهْ؛ وقال آخر: الرجز:
إِنْ كُنْتُ أَدْرِي فَعَلَيَّ بَدَنَهْ ** مِنْ كَثْرَةِ التَّخْلِيطِ أَنِّي مَنْ أَنَهْ

وإنما أثبت نافعٌ ألفَه قبل الهمز جمعًا بين اللُّغتين، أو لأَنَّ النُّطقَ بالهمزِ عسرٌ فاستراح له بالألف لأنها حرفُ مدٍّ.
قوله: {فَإِنَّ الله} هذه الفاءُ جواب شرطٍ مقدَّر تقديره: قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام إِنْ زعمتَ، أو موَّهْتَ بذلك فإِنَّ اللهَ. ولو كانت الجملةُ محكيَّةً بالقول، لما دخلت هذه الفاءُ، بل كان تركيب الكلام: قال إبراهيم: إِنَّ اللهَ يَأْتِي، وقال أبو البقاء رحمه الله: دَخَلَتِ الفاءُ؛ إيذانًا بتعلُّق هذه الكلام بما قبلَه، والمعنى: إذا ادَّعيت الإِحياءَ والإِماتة، ولم تفهم، فالحُجَّة أَنَّ الله تعالى يأتي، هذا هو المعنى والباءُ في بالشَّمْسِ للتعديةِ، تقول: أَتَتِ الشَّمْسُ، وأَتَى اللهُ بها، أي: أجاءها، ومِنَ المَشْرِقِ ومِنَ المَغْرِبِ متعلِّقان بالفعلين قبلهما، وأجاز أبو البقاء فيهما بعد أَنْ مَنع ذلك أن يكونا حالين، وجعل التقدير: مُسخَّرةً أو منقادةً قال شهاب الدين رحمه الله: وليته استمر على منعه ذلك.
قوله: {فَبُهِتَ الذي كَفَرَ} الجمهور: {بُهِتَ} مبنيًّا للمفعول، والموصول مرفوعٌ به، والفاعل في الأصل هو إبراهيم، لأنه المناظر له، ويحتمل أن يكون الفالع في الأصل ضمير المصدر المفهوم من قَالَ، أي: فبهته قول إبراهيم، وقرأ ابن السَّميفع: {فَبَهَتَ} بفتح الباء والهاء مبنيًّا للفاعل، وهذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون الفعل متعديًّا، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والَّذِي هو المفعول، أي: فبهت إبراهيم الكافر، أي: غلبه في الحجَّة، أو يكون الفاعل الموصول، والمفعول محذوفٌ، وهو إبراهيم، أي: بهت الكافر إبراهيم، أي: لمَّا انقطع عن الحجَّة بهته، أي: سبَّه وقذفه حين انقطع، ولم تكن له حيلةٌ.
والثاني: أن يكون لازمًا، والموصول فاعلٌ، والمعنى معنى بهت، فتتَّحد القراءتان، أو بمعنى أتى بالبهتان، وقرأ أبو حيوة: {فَبَهُتَ} بفتح الباء، وضمِّ الهاء، كظرف، والفاعل الموصول، وحكى الأخفش: فَبَهِتَ بكسر الهاء، وهو قاصر أيضًا، فيحصل فيه ثلاث لغاتٍ: بَهَت بفتحهما، بَهُتَ بضم العين، بَهِتَ بكسرها.
قال عروة العدويُّ: الطويل:
فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً ** فَأُبْهَتَ حَتَّى مَا أَكَادُ أُجِيبُ

فالمفتوح يكون لازمًا ومتعديًا، قال تعالى: {فَتَبْهَتُهُمْ} [الأنبياء: 40].
والبَهْتُ: التحيُّر، والدَّهش، وبَاهَتَهُ وَبَهَتَهُ واجهه بالكذب، ومنه الحديث: «إنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ»، وذلك أن الكذب يحيِّر المكذوب عليه.
ومعنى الآية: أنَّه: بقي مغلوبًا لا يجد مقالًا، ولا للمسألة جوابًا. اهـ. بتصرف.